تُعد رواية الذي فعلته للكاتب تامر إبراهيم، الصادرة عن دار سبارك للنشر والتوزيع، واحدة من الأعمال التي ترسخ مكانة الكاتب كأحد أبرز الأصوات في أدب التشويق والجريمة النفسية في العالم العربي. نُشرت الرواية في أوائل العقد الثاني من الألفية الجديدة، في زمن شهد تصاعداً في الاهتمام بهذا النوع الأدبي الذي يجمع بين الإثارة البوليسية والعمق السيكولوجي. تامر إبراهيم، المعروف بقدرته على حبك ألغاز معقدة وشخصيات مركبة، يقدم لنا هنا عملاً يتجاوز حدود القصة البوليسية التقليدية ليلامس أسئلة وجودية حول الهوية والذاكرة وحرية الإرادة.
مقدمة شاملة عن رواية الذي فعلته
نافذة على عالم الغموض والتشويق
تأتي أهمية رواية الذي فعلته من كونها تقدم نموذجاً عربياً ناضجاً لأدب “النوار” الحديث، حيث الأجواء القاتمة، والشخصيات التي تسير على حافة الهاوية، والغموض الذي يلف كل شيء. لا تقتصر الرواية على سرد جريمة والبحث عن مرتكبها، بل هي استكشاف لعوالم داخلية مظلمة، حيث يصبح البطل نفسه هو اللغز الأكبر. تدور أحداث الرواية في سياق معاصر، يتنقل بين مدن عدة، مما يعكس طابع العولمة وتداخل المصائر في عالم متشابك الخيوط.
الفكرة العامة للنص: متاهة الذاكرة والبحث عن الذات
تدور رواية الذي فعلته حول فكرة مركزية هي فقدان الذاكرة وانشطار الهوية نتيجة لتجارب قاسية أو تدخلات خارجية منظمة. البطل (أو الأبطال، كما سيتضح لاحقاً) يجد نفسه متورطاً في أحداث لا يتذكرها، ويُتهم بأفعال يشك في أنه ارتكبها. هذه الفجوة في الذاكرة تدفعه إلى رحلة مضنية للبحث عن الحقيقة، ليس فقط حقيقة ما حدث، بل حقيقة من هو.
الرسالة العامة التي يحملها النص تتجاوز مجرد التشويق؛ إنها تساؤل مرير عن مدى سيطرتنا على حياتنا وذكرياتنا. هل نحن حقاً أسياد مصائرنا، أم أن هناك قوى خفية، سواء كانت داخلية (ناتجة عن صدمات نفسية) أو خارجية (ممثلة في منظمات أو أفراد)، قادرة على إعادة تشكيل وعينا وتوجيه أفعالنا؟ الرواية هي صرخة ضد فقدان الإرادة، ومحاولة يائسة لاستعادة “الذات” المفقودة في دوامة من الأكاذيب والتلاعب.
سياق الكتابة وأسلوب السرد: بناء عالم من الشك والريبة
يتبنى تامر إبراهيم أسلوباً سردياً فريداً ومناسباً لطبيعة رواية الذي فعلته. يعتمد السرد بشكل كبير على منظور الشخص الأول، مما يضع القارئ مباشرة في عقل الشخصية، ويجعله شريكاً في حيرتها وقلقها وشكوكها. يتجلى هذا الأسلوب في استخدام تقنية “الأوراق” أو “الوثائق”، حيث تُقدم القصة كأنها مجموعة من المذكرات أو التقارير التي كتبها الأبطال في أزمنة مختلفة.
-
الورقة الأولى: “الذي فعلته!!” (بصوت سامي محمود): تبدأ رواية الذي فعلته من منظور “سامي محمود”، ضابط شرطة يجد نفسه متورطاً في جريمة قتل صديقه الطبيب النفسي “مجدي” بعد جلسة تنويم مغناطيسي غامضة. يُسرد هذا الجزء بأسلوب يجمع بين اليوميات والاعترافات، مع تحديد دقيق للتواريخ والأماكن، مما يضفي طابعاً واقعياً ومقلقاً. الحوارات مكثفة وقصيرة، تعكس حالة التوتر والارتباك.
-
الورقة الثانية: “قصة فرنسية” (بصوت أكرم رشوان/أنور): ينتقل السرد إلى شخصية أخرى، “أكرم رشوان”، رجل أمن مصري يُرسل في مهمة غامضة إلى باريس، وهناك تتغير هويته ليصبح “أنور”. هذا الجزء يأخذ طابع الرواية الجاسوسية، مع وصف دقيق لتقنيات المراقبة والتخفي. اللغة هنا أكثر برودة وتحليلية في البداية، ثم تتصاعد مع تعقد المهمة.
-
الورقة الثالثة: “أيام مع الشبح” (بصوت أنور): استكمال لقصة “أنور”، حيث يتورط في مهمة تصفية الطابع الكوميكسي يظهر هنا جلياً في وصف بعض المشاهد الحركية، كأنها “كادرات” متتالية، وهو أسلوب مبتكر يكسر رتابة السرد التقليدي.
-
الورقة الرابعة والأخيرة: “أشياء ستحدث” (عودة لصوت سامي/محمود وتداخل الخيوط): يعود السرد إلى “سامي” الذي أصبح يحمل هوية “محمود”، وتتقاطع قصته مع قصة “أنور”. هذا الجزء هو ذروة التشابك، حيث تتكشف خيوط المؤامرة الكبرى.
تأثير هذا الأسلوب على القارئ عميق؛ فهو يشعر بالضياع والارتباك الذي تعيشه الشخصيات. تعدد الرواة والفجوات الزمنية المتعمدة يجعل القارئ يحاول تجميع قطع الأحجية بنفسه، مما يزيد من انغماسه في عالم الرواية. أسلوب “تدفق الوعي” حاضر بقوة، خاصة في أجزاء “سامي”، حيث تتداخل الأفكار والمخاوف والذكريات المجتزأة.
الشخصيات الرئيسية: أقنعة متعددة وأرواح معذبة
تتميز شخصيات تامر إبراهيم بالتركيب والعمق، فهي ليست مجرد أدوات لتحريك الحبكة، بل هي كائنات بشرية تتألم وتتساءل وتنهار.
-
سامي محمود (علي/محمود): هو المحور الأول رواية الذي فعلته. ضابط شرطة يجد حياته تنقلب رأساً على عقب. دوافعه الأولية هي البراءة والبحث عن الحقيقة وراء مقتل صديقه. مع تطور الأحداث، يتحول دافعه إلى مجرد النجاة وفهم ما يحدث له. تطوره مأساوي، من رجل قانون إلى هارب مطارد، ثم إلى أداة في يد منظمة غامضة، يفقد هويته تدريجياً ويصبح مجرد “مجهول”. مشاعره تتأرجح بين الغضب، اليأس، الحيرة، والرغبة في استعادة حياته المسلوبة.
-
أكرم رشوان (أنور): يمثل الوجه الآخر للضحية. رجل أمن كفء، يجد نفسه في باريس يتحول إلى “شبح” – عميل بلا ماضٍ وبلا مستقبل واضح. دوافعه في البداية هي إنجاز المهمة، لكنه سرعان ما يكتشف أنه مجرد بيدق. تطوره يعكس الانهيار التدريجي تحت وطأة التلاعب وفقدان السيطرة. العلاقة بينه وبين “سامي/محمود” هي علاقة مرآة، كلاهما ضحية لنفس القوى.
-
مجدي: الطبيب النفسي، صديق سامي. يمثل نقطة البداية لكارثة سامي. موته الغامض هو الشرارة الأولى.
-
مايا: زوجة مجدي، وشخصية محورية وغامضة. تبدو في البداية ضحية أو شاهدة، لكن دورها يتكشف تدريجياً ليكون أكثر تعقيداً وارتباطاً بالمنظمة. علاقتها بسامي متوترة ومليئة بالشكوك، ثم بالحقائق الصادمة.
-
فرانسوا (الكونت): أحد رؤوس المنظمة في باريس. شخصية باردة، حاسبة، تمثل القوة الغاشمة والذكاء الشيطاني للمنظمة. دوافعه هي تحقيق أهداف المنظمة بأي ثمن.
-
إيجور فيودوروف: العميل الروسي “الشبح” الذي يواجهه “أنور”. يمثل الند المحترف، ويضيف بعداً دولياً للصراع.
-
لارا: الطبيبة النفسية في باريس التي تتعامل مع “أكرم”. أداة أخرى في يد المنظمة، تستخدم علم النفس للتلاعب.
العلاقات بين الشخصيات محكومة بالشك، الخيانة، والمصالح المتضاربة. لا يوجد ثقة مطلقة، وكل شخصية تحمل أقنعة متعددة. هذا التفاعل المعقد هو ما يدفع الحبكة إلى الأمام ويكشف عن طبقات أعمق من المؤامرة.
الأحداث المؤثرة والمشاهد الدرامية: تصاعد الإثارة حتى الذروة
رواية الذي فعلته مليئة بالأحداث المفصلية التي تبقي القارئ على حافة مقعده:
-
جلسة التنويم المغناطيسي ومقتل مجدي: المشهد الافتتاحي الذي يضع سامي في قلب العاصفة. الغموض الذي يحيط بهذه الليلة هو المحرك الأساسي للجزء الأول.
-
احتجاز الرهائن في مركز الشرطة وهروب سامي: مشهد مليء بالتوتر، حيث يجد سامي نفسه مجبراً على ارتكاب أفعال لا يفهمها، مما يعمق شعوره بالضياع.
-
مطاردة أكرم/أنور في باريس: مشاهد جاسوسية كلاسيكية، لكنها منفذة ببراعة، تظهر مهارات الشخصية وقدرات المنظمة.
-
مهمة تصفية ناتاليا وإنقاذ ابنتها: مشهد يضع “أنور” في مواجهة أخلاقية، ويظهر بقايا إنسانيته رغم كل شيء.
-
اكتشاف حقيقة “مايا” ودورها: من أكثر المشاهد صدماً، حيث تتكشف خيوط مؤامرة أعمق مما كان يتصور سامي.
-
المواجهات مع “فرانسوا” و”إيجور”: تمثل ذروات الصراع، حيث تظهر القوة الحقيقية للمنظمة ووحشيتها.
-
مشهد المتحف في “الورقة الرابعة”: حيث تتجمع كل الخيوط، ويتم الكشف عن هدف المنظمة الحقيقي المتمثل في نشر الفوضى.
هذه الأحداث تجذب القارئ ليس فقط بتشويقها، بل لأنها تكشف تدريجياً عن جوانب من شخصيات الأبطال والمؤامرة التي تحيط بهم. الكاتب ينجح في خلق شعور بالخطر المحدق والترقب الدائم.

الرسائل والموضوعات الأساسية: ما وراء الجريمة والغموض
تحت السطح البوليسي رواية الذي فعلته، تكمن عدة موضوعات وقضايا عميقة:
-
أزمة الهوية في العالم المعاصر: الشخصيات تفقد أسماءها، ذكرياتها، وحتى ملامحها أحياناً. هي صرخة عن الإنسان الذي أصبح مجرد رقم أو ملف في عالم تسيطر عليه الأنظمة والمؤسسات الخفية.
-
الذاكرة كسلاح وكعب أخيل: الذاكرة هي ما يشكل هويتنا، وفقدانها يعني فقدان الذات. وفي الرواية، يتم التلاعب بالذاكرة بشكل ممنهج، مما يحولها من نعمة إلى نقمة.
-
حرية الإرادة والقدر: هل يملك الأبطال أي خيار حقيقي، أم أنهم مسيرون بالكامل؟ الرواية تميل إلى تصوير عالم جبري، حيث الأفراد مجرد أدوات في لعبة أكبر منهم بكثير.
-
طبيعة الشر والقوة: “المنظمة” هي تجسيد للشر المطلق الذي لا يهدف إلى شيء سوى الفوضى والهدم. هي قوة عمياء، لا أخلاقية، تسحق كل من يقف في طريقها.
-
الشعور بالذنب والمحاسبة: رواية الذي فعلته هو السؤال الذي يطارد سامي، ويعكس رغبته في فهم أفعاله وتحمل مسؤوليتها، حتى لو كانت تحت تأثير خارجي.
-
العزلة والاغتراب: الشخصيات معزولة، لا تثق بأحد، وتعيش في حالة دائمة من الاغتراب عن نفسها وعن العالم.
هذه القضايا ترتبط بواقعنا الحالي، حيث يشعر الكثيرون بفقدان السيطرة على حياتهم أمام قوى اقتصادية وسياسية وتكنولوجية هائلة. الرواية تدعونا للتفكير في معنى أن تكون إنساناً في عالم كهذا.
الجوانب العاطفية والإنسانية: لمسة وجدانية في قلب العتمة
رغم قتامة الأجواء وحبكة التشويق، لا تخلو رواية الذي فعلته من لمسات إنسانية وعاطفية مؤثرة:
-
ألم الفقدان والخيانة: شعور سامي بفقدان صديقه مجدي، ثم اكتشافه لخيانة أقرب الناس إليه، يثير تعاطف القارئ.
-
اليأس والرغبة في الخلاص: الصراع الداخلي الذي يعيشه الأبطال بين الاستسلام ومحاولة المقاومة اليائسة هو صراع إنساني بامتياز.
-
الخوف والتوتر: الكاتب بارع في نقل حالة الخوف والتوتر الدائم التي تعيشها الشخصيات، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه يشاركهم مصيرهم.
-
ومضات الأمل الخافتة: حتى في أحلك الظروف، تظهر ومضات من الإنسانية، مثل محاولة “أنور” إنقاذ ابنة ناتاليا، أو رغبة “سامي” في حماية “مايا” رغم كل شيء (قبل اكتشاف الحقيقة كاملة).
-
الحب الموءود: العلاقة بين سامي ومايا، التي كان يمكن أن تكون قصة حب، تتحول إلى مأساة بسبب تدخل المنظمة.
ينجح تامر إبراهيم في إيصال هذه المشاعر من خلال الوصف الدقيق للحالات النفسية للشخصيات، والحوارات الداخلية التي تكشف عن هشاشتهم وضعفهم رغم المظهر الخارجي للقوة أو البرود.
السياق التاريخي والثقافي: مرآة لعصر القلق
لا تحدد رواية الذي فعلته زمناً تاريخياً معيناً بشكل صريح، لكنها تعكس بوضوح أجواء ما بعد الحرب الباردة وبدايات الألفية الجديدة، حيث منظمات الاستخبارات والجاسوسية الدولية، والمخاوف من الإرهاب والفوضى المنظمة. المدن التي تدور فيها الأحداث (القاهرة، باريس، لندن) هي مراكز عالمية تعكس هذا التداخل الثقافي والسياسي.
-
التكنولوجيا والمراقبة: تلمح رواية الذي فعلته إلى دور التكنولوجيا في المراقبة والتلاعب، وهو موضوع يزداد أهمية في عصرنا.
-
المنظمات السرية: فكرة المنظمات الخفية التي تحرك خيوط العالم هي فكرة شائعة في أدب المؤامرة، لكن تامر إبراهيم يعطيها بعداً نفسياً أعمق.
-
الثقافة الشعبية: استخدام تقنية “الكادرات الكوميكسية” في السرد هو إشارة إلى تأثر الكاتب بالثقافة البصرية المعاصرة.
الخلفية الثقافية للشخصيات (مصرية، فرنسية، روسية) تضيف تنوعاً رواية الذي فعلته، وتظهر كيف يمكن أن تتشابك المصائر رغم اختلاف الأصول.
تقييم العمل الأدبي: إنجاز في أدب التشويق العربي
رواية الذي فعلته هي عمل أدبي متكامل الأركان، يتميز بعدة جوانب إيجابية:
-
الحبكة المعقدة والمحكمة: رغم تشعبها، تظل الحبكة متماسكة، وتتكشف خيوطها تدريجياً بأسلوب يشد القارئ.
-
الشخصيات العميقة والمركبة: لا توجد شخصيات مسطحة أو نمطية؛ كل شخصية لها دوافعها وصراعاتها الداخلية.
-
خلق أجواء الغموض والتشويق: الكاتب سيد في هذا المجال، يعرف كيف يبني التوتر ويحافظ عليه حتى النهاية.
-
الأسلوب السردي المبتكر: استخدام تقنية “الأوراق” وتعدد الرواة يضيف عمقاً وتنوعاً للتجربة القرائية.
-
الموضوعات الفكرية العميقة: الرواية ليست مجرد تسلية، بل تدفع القارئ للتفكير في قضايا وجودية هامة.
أما الجوانب التي قد يراها البعض سلبية، فهي قليلة وقد تكون مسألة ذوق شخصي:
-
التعقيد الشديد أحياناً: قد يجد بعض القراء صعوبة في متابعة كل خيوط المؤامرة وتعدد هويات الشخصيات.
-
النهاية المفتوحة: النهاية التي تترك البطل في مواجهة مصير مجهول مرة أخرى قد لا ترضي القراء الذين يفضلون النهايات الحاسمة، لكنها تتسق مع طبيعة الرواية ورسالتها حول استمرارية الصراع.
بشكل عام، تعتبر رواية الذي فعلته إضافة قيمة للأدب العربي المعاصر، وشهادة على موهبة تامر إبراهيم ككاتب قادر على المنافسة عالمياً في هذا النوع الأدبي.
اقتباسات بارزة: همسات من عمق المتاهة
-
“أنا الآن أعمل كمجهول… أعيش كمجهول… أتواجَد كمجهول… أنا الآن لا وجود لي إلا في ذاكرة أقل القليل، وعليّ في الفترة القادمة أن أعتاد هذا النمط الجديد والعجيب من الحياة…” (من بداية “الورقة الأولى”، تلخص حالة الضياع وفقدان الهوية).
-
“لماذا اخترت هذا الاختيار؟! لأنني تفوقت على من لا يوجد لديهم شيء يخسرونه، فأنا لم يعد لدي شيء أملكه!!” (تعبر عن يأس البطل ووصوله إلى نقطة اللاعودة).
-
“هذه الأوراق التي ستمنحك الحقيقة كاملة… حقيقة الذي فعلته.” (الوعد الكاذب ربما بالحقيقة، والذي يظل سراباً).
-
“هل تؤمن بالتنويم المغناطيسي؟” (السؤال الذي يطرحه مجدي على علي، ويكون بداية الكارثة لسامي).
-
“لا بد أن أنسى كل شيء… أن أبدأ من جديد… بهوية جديدة… وحياة جديدة… ومستقبل جديد…” (حلم البدايات الجديدة الذي يطارده الأبطال، لكنه يظل بعيد المنال).
هذه الاقتباسات ليست سوى أمثلة قليلة، فالرواية مليئة بالجمل الحوارية والوصفية التي تعبر عن عمق التجربة الإنسانية للشخصيات.
التوسع في التفاصيل الثانوية: خيوط داعمة للنسيج الروائي
الشخصيات الثانوية، مثل رجال الشرطة زملاء سامي، أو عملاء المنظمة الذين يظهرون بشكل عابر، أو حتى ضحايا مثل ناتاليا، تلعب دوراً هاماً في تعزيز الحبكة وإضفاء الواقعية على العالم الروائي. هم يمثلون العالم الخارجي الذي يتفاعل معه الأبطال، ويبرزون مدى عزلتهم ووحدتهم. المشاهد الجانبية، مثل وصف شوارع باريس أو تفاصيل الحياة اليومية للعملاء السريين، تضيف أبعاداً إضافية للرواية وتجعل عالمها أكثر ثراءً.
تأثير الكتاب على الأدب والقارئ: بصمة لا تُمحى
رواية الذي فعلته ساهمت في ترسيخ مكانة أدب التشويق النفسي في المشهد الأدبي العربي. لقد أثبتت أن الرواية العربية قادرة على تقديم أعمال معقدة ومثيرة فكرياً، تنافس أفضل ما يُكتب في هذا النوع عالمياً.
على مستوى القارئ، تترك الرواية تأثيراً عميقاً. هي ليست من نوع الكتب التي تُنسى بسهولة بعد قراءتها. الأسئلة التي تطرحها حول الذاكرة والهوية والسيطرة تظل عالقة في الذهن، وقد تدفع القارئ إلى إعادة التفكير في الكثير من المسلمات. الشعور بالتوتر والقلق الذي يعيشه القارئ أثناء متابعة الأحداث هو دليل على قدرة الكاتب على الإمساك بتلابيب قارئه وجذبه إلى عالمه.
نحو أفق مفتوح: دعوة للتأمل والمزيد من القراءة
في نهاية المطاف، تقدم رواية الذي فعلته تجربة قرائية فريدة تمزج بين الإثارة العقلية والعمق الإنساني. إنها رحلة في عقل إنسان ممزق، يبحث عن حقيقته في عالم مليء بالأكاذيب والأقنعة. تامر إبراهيم يثبت مرة أخرى أنه كاتب يمتلك أدواته ببراعة، قادر على أن يأخذنا إلى مناطق مجهولة من النفس البشرية، ويجعلنا نتساءل: لو كنا مكان أبطاله، فما “الذي كنا سنفعله”؟
إن رواية الذي فعلته تستحق القراءة ليس فقط لمحبي أدب الجريمة والغموض، بل لكل من يبحث عن عمل أدبي يثير الفكر ويلامس الوجدان، ويتركك مع أسئلة أكثر من الإجابات، وهو ما يميز الأدب الحقيقي الذي يحرض على التأمل ويوسع آفاق الوعي. هذا الغوص في أعماق النفس البشرية، وهذا الكشف عن هشاشة الذاكرة وسهولة التلاعب بها، يجعل من “الذي فعلته!!” عملاً يتردد صداه طويلاً بعد إغلاق صفحاته.

روايات بدون إنترنت
اقرأ رواياتك المفضلة في أي وقت وأي مكان
هل أعجبتك هذه الرواية؟ يمكنك الآن الاستمتاع بقراءة هذه الرواية وآلاف الروايات الأخرى بدون إنترنت من خلال تطبيقنا المجاني!