في عالم الأدب العربي المعاصر، تبرز أسماء تسعى لغوص أعماق النفس البشرية، وكشف تعقيدات الواقع بتقاطعاته المختلفة. الكاتبة المصرية شيرين هناني، من خلال رواية طغراء، تقدم لنا وجبة دسمة للتأمل، حيث تتداخل خيوط الإيمان والشك، الحقيقة والزيف، السلطة والخضوع، في نسيج روائي مشوق يطرح أسئلة أكثر مما يقدم إجابات.
مقدمة شاملة عن رواية طغراء
الغوص في تيار “الطاغوت”
رواية طغراء، الصادرة عن دار ربيع للنشر والتوزيع، ليست مجرد سرد لأحداث، بل هي رحلة استكشافية لعوالم متعددة، تتأرجح بين الحاضر المعاش والماضي المستعاد، بين الواقع الملموس والكوابيس المتخيلة. الكاتبة شيرين هناني، المعروفة بقدرتها على بناء شخصيات مركبة وحبكات متينة، تأخذنا في هذه الرواية إلى قلب صراع وجودي يخوضه بطلها “خالد”، الإعلامي الشاب الذي يجد نفسه في مواجهة قوى أكبر منه، تتجسد أحيانًا في شخصيات نافذة، وأحيانًا أخرى في أفكار ومعتقدات تسيطر على وعي المجتمع.
السياق الزمني والمكاني لـ رواية طغراء يرتكز بشكل كبير على مصر المعاصرة، بكل ما تحمله من تناقضات وتحديات، خاصة فيما يتعلق بدور الإعلام، وتأثير الخطاب الديني، وصراع الأجيال. لكن الرواية لا تكتفي بذلك، بل تمتد بجذورها لتستلهم من التاريخ، خاصة فترات حكم المماليك وصلاح الدين الأيوبي، لترسم مقارنات وتقدم إسقاطات ذكية على الحاضر.
تكمن أهمية رواية طغراء في جرأتها على طرح قضايا حساسة، وفي قدرتها على تجسيد الصراع الداخلي للإنسان الباحث عن اليقين في عالم يموج بالشكوك. هي رواية تنتمي إلى الأدب الذي يحفز على التفكير، ويترك القارئ محملاً بأسئلة عميقة حول ذاته ومجتمعه. العنوان نفسه “الطاغوت” – وهو مصطلح قرآني يشير إلى كل ما يُعبد أو يُطاع من دون الله، ويجاوز به العبد حده – يشي بالكثير عن طبيعة الصراع الذي ستتناوله رواية طغراء.

الفكرة العامة للنص: بين نور الإيمان وظلمات الطغيان
تدور الفكرة الرئيسية للرواية حول مفهوم رواية طغراء بأوجهه المتعددة. لا يقتصر الطاغوت هنا على شخص أو نظام سياسي، بل يمتد ليشمل الأفكار المقولبة، والخطابات الإعلامية الموجهة، والشخصيات الكاريزمية التي تستغل الدين أو السلطة لتحقيق مآربها. بطل رواية طغراء، خالد، يمثل الإنسان الحائر الذي يسعى للخروج من هذه “الظلمات إلى النور”، مستلهمًا الآية القرآنية التي تتصدر إحدى الصفحات الأولى: “اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ”.
الرسالة العامة التي تحملها رواية طغراء هي دعوة إلى التحرر من كل أشكال الطغيان الفكري والروحي، والبحث عن الحقيقة الفردية بعيدًا عن القوالب الجاهزة. إنها تسلط الضوء على خطورة الانسياق الأعمى خلف الشعارات البراقة أو الشخصيات المؤثرة دون تمحيص أو تفكير نقدي.
سياق الكتابة وأسلوب السرد: نسيج الواقع والخيال
تعتمد شيرين هناني في رواية طغراء أسلوبًا سرديًا يمزج بين الواقعية والرمزية. السرد يتأرجح بين وجهة نظر الراوي العليم، وتدفق الوعي للشخصية الرئيسية “خالد”، مما يتيح للقارئ الدخول إلى عالمه الداخلي، ومعايشة صراعاته وأفكاره ومشاعره عن كثب.
الحوارات تحتل مساحة كبيرة في رواية طغراء، وهي حوارات تكشف عن طبيعة الشخصيات، وتدفع الأحداث إلى الأمام. تتسم هذه الحوارات بالواقعية، وأحيانًا بالحدّة التي تعكس عمق الصراع. اللغة المستخدمة تتراوح بين الفصحى البسيطة والعامية المصرية، خاصة في الحوارات، مما يضفي مصداقية على الشخصيات والأجواء.
رواية طغراء مقسمة إلى فصول أو “كلمات” كما تسميها الكاتبة، وكل “كلمة” تبدأ بعنوان فرعي مثل “المحكوم” ثم “الحاكم”، مما يشير إلى بنية متوازية أو متقابلة. هذا التقسيم بين “المحكوم” (الذي يبدو أنه يمثل قصة خالد المعاصرة) و”الحاكم” (الذي يغوص في أحداث تاريخية، خاصة زمن المماليك وصلاح الدين) يخلق إيقاعًا خاصًا، ويسمح للكاتبة برسم مقارنات وإسقاطات بين الماضي والحاضر.
تأثير هذا الأسلوب على القارئ متعدد الأوجه. فهو يجعله شريكًا في رحلة خالد، يتألم لألمه ويفرح للحظات انتصاره النادرة. كما أن التنقل بين الأزمنة والأمكنة يبقي القارئ في حالة من الترقب واليقظة، محاولاً ربط الخيوط وفهم الرسائل الضمنية.
الشخصيات الرئيسية: مرايا تعكس الواقع الإنساني
-
خالد: هو المحور الرئيسي للأحداث. إعلامي شاب، مثقف، لكنه يعاني من أزمة وجودية وصحية. مرضه الجسدي (الذي يبدو خطيرًا ويتطلب علاجًا معقدًا ومكلفًا) يصبح رمزًا لمرضه الروحي والفكري. خالد يمثل جيل الشباب الحائر، الباحث عن معنى في عالم فوضوي، والذي يصطدم بسلطة الإعلام الموجه وسطوة الخطاب الديني التقليدي. تتطور شخصيته من حالة التيه والضعف، مرورًا بمحاولات المقاومة والتساؤل، وصولاً إلى نوع من الاستنارة أو على الأقل التصالح مع الذات. دوافعه تتأرجح بين البحث عن الشفاء الجسدي، والرغبة في فهم الحقيقة، والحاجة إلى الحب والقبول.
-
الإمام (سيد الموجي): شخصية محورية تمثل الوجه الآخر للصراع. هو رجل دين يتمتع بكاريزما طاغية، ويقدم برنامجًا تلفزيونيًا ذائع الصيت. يبدو في البداية كمرشد روحي، لكن تتكشف جوانب أخرى من شخصيته مع تطور الأحداث. هل هو “طاغوت” يستغل الدين لتحقيق النفوذ والشهرة، أم هو مجرد أداة في نظام أكبر؟ الرواية تترك هذا السؤال مفتوحًا إلى حد ما، مما يزيد من عمق الشخصية. علاقته بخالد متوترة ومعقدة، تتراوح بين محاولات الاستقطاب والمواجهة الفكرية.
-
ماري: تمثل الجانب الإنساني والعاطفي في حياة خالد. هي حبيبته التي تقف إلى جانبه في مرضه ومحنته. شخصيتها تبدو أكثر بساطة ووضوحًا، فهي تمثل الحب غير المشروط، والدعم الصادق. علاقتها بخالد هي واحة الأمان التي يلجأ إليها من صخب العالم الخارجي وصراعاته الداخلية. وجودها يطرح تساؤلاً حول دور الحب في مواجهة قسوة الحياة.
-
نورين: شخصية نسائية أخرى تظهر في حياة خالد، ويبدو أنها زميلة أو شخصية مؤثرة في مجال الإعلام. دورها يبدو أكثر تعقيدًا، وقد تمثل نموذجًا آخر للمرأة في المجتمع المعاصر، ربما أكثر طموحًا أو براغماتية. علاقتها بخالد تضيف بعدًا آخر لاستكشاف العلاقات الإنسانية وتعقيداتها.
-
شخصيات تاريخية (صلاح الدين، قطز، شجر الدر، وغيرهم): تظهر هذه الشخصيات في فصول “الحاكم”. إنها لا تتطور بالمعنى التقليدي، بل تُستدعى كأمثلة ونماذج للسلطة والحكم والصراع عبر التاريخ. الكاتبة تستخدم قصصهم لتعميق فهمنا لمفهوم “الطاغوت” وكيف يتجلى بأشكال مختلفة عبر العصور. العلاقة بين هذه الشخصيات التاريخية وأحداث الحاضر هي علاقة رمزية، تهدف إلى إبراز أنماط الصراع الإنساني المتكررة.
الأحداث المؤثرة والمشاهد الدرامية: لحظات فارقة
تمتلئ رواية طغراء بالعديد من الأحداث والمشاهد التي تترك أثرًا عميقًا في نفس القارئ:
-
معاناة خالد مع المرض: وصف مرضه، رحلاته إلى المستشفيات، تفاصيل العلاج، وآلامه الجسدية والنفسية، كلها مشاهد مؤثرة تجعل القارئ يتعاطف معه بشدة. مرضه يصبح نافذة نطل منها على هشاشة الإنسان وقدرته على الصمود.
-
المواجهات الفكرية بين خالد والإمام: سواء كانت مباشرة أو عبر برامجهم التلفزيونية، هذه المواجهات تمثل ذروة الصراع الفكري في الرواية. الأسئلة التي يطرحها خالد، وردود الإمام، تكشف عن عمق الهوة بين رؤيتين مختلفتين للعالم وللدين.
-
كواليس الإعلام: رواية طغراء تقدم لمحات من عالم الإعلام، وكيف يتم صنع “النجوم” وتوجيه الرأي العام. هذه المشاهد تثير التساؤل حول مصداقية ما نراه ونسمعه.
-
اللحظات الحميمية بين خالد وماري: تمثل هذه اللحظات فسحة من الأمل والدفء في خضم الصراع. حواراتهما، خوف ماري على خالد، ودعمها له، كلها مشاهد تبرز قوة الحب كقوة شافية.
-
الاستدعاءات التاريخية: مشاهد الحروب، المؤامرات، وصراعات السلطة في عصر المماليك وصلاح الدين، رغم طابعها التاريخي، إلا أنها تحمل شحنة درامية قوية، وتجعل القارئ يفكر في أوجه التشابه بين الماضي والحاضر.
-
نوبات خالد الروحية أو الهذيانية: أحيانًا، يدخل خالد في حالات تشبه الحلم أو الهذيان، حيث تتداخل الأزمنة والشخصيات. هذه المشاهد، رغم غموضها، إلا أنها تعكس عمق أزمته الداخلية وبحثه عن مخرج.
-
مشهد النهاية (أو ما يشبهها): دون حرق للأحداث، عادة ما تكون النهايات في مثل هذه الروايات مفتوحة أو تحمل طابعًا تأمليًا. اللحظات الأخيرة لخالد، أو قراراته المصيرية، تشكل ذروة درامية مهمة.
هذه الأحداث تجذب القارئ لأنها تمس جوانب إنسانية عميقة: الخوف من المرض والموت، البحث عن الحقيقة، الحاجة إلى الحب والانتماء، الصراع ضد الظلم والقهر.
الرسائل والموضوعات الأساسية: تأملات في الوجود الإنساني
رواية طغراء ليست مجرد حكاية، بل هي مرآة تعكس قضايا جوهرية:
-
نقد السلطة الإعلامية والدينية المتلاعبة: رواية طغراء تنتقد بشدة استغلال الإعلام والدين لتوجيه الجماهير وتزييف الوعي. شخصية الإمام، وبرنامجه التلفزيوني، تجسد هذا النقد.
-
أزمة الإيمان واليقين في العصر الحديث: خالد يمثل الإنسان المعاصر الذي يتخبط بين الشك واليقين، ويبحث عن إيمان شخصي حقيقي بعيدًا عن الخطابات الجاهزة.
-
الصراع بين الفرد والمؤسسة (الطاغوت): سواء كانت هذه المؤسسة إعلامية، دينية، أو حتى مجتمعية، رواية طغراء تبرز صعوبة الفرد في مواجهتها والحفاظ على استقلاليته الفكرية.
-
الحرية الفكرية ورفض الوصاية: هي دعوة صريحة إلى التفكير النقدي، ورفض أي شكل من أشكال الوصاية على العقل والروح.
-
البحث عن المعنى في عالم عبثي: معاناة خالد ومرضه تدفعه إلى التساؤل عن معنى الحياة والموت، وعن جدوى الوجود.
-
قوة الحب كقوة خلاص: علاقة خالد بماري تبرز أهمية الحب كقوة دافعة للصمود، وكملاذ آمن في مواجهة قسوة العالم.
-
التاريخ كمرآة للحاضر: استخدام الأحداث التاريخية ليس مجرد استعراض، بل هو محاولة لفهم الحاضر من خلال تجارب الماضي، وإبراز أنماط الصراع الإنساني المتكررة.
هذه القضايا ترتبط بواقعنا الحالي ارتباطًا وثيقًا. فنحن نعيش في عصر يشهد طوفانًا من المعلومات والأخبار (الصحيحة والمضللة)، وتناميًا لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وتجددًا للجدل حول دور الدين في الحياة العامة. الرواية تدعونا إلى التسلح بالوعي النقدي، والبحث عن بوصلتنا الخاصة في هذا العالم المعقد.
الجوانب العاطفية والإنسانية: همسات الروح وصرخات الألم
تنجح شيرين هناني في إثارة طيف واسع من المشاعر لدى القارئ. الشعور بالأسى والحزن يرافقنا ونحن نتابع معاناة خالد مع مرضه، وخيباته المتكررة. القلق والتوتر يتصاعدان مع كل مواجهة بين خالد وقوى رواية طغراء التي تحيط به.
في المقابل، هناك لحظات من الدفء والأمل، خاصة في مشاهد خالد وماري، حيث يشعر القارئ بجمال الحب الصادق وقوته. هناك أيضًا لحظات من الغضب والسخط تجاه الظلم والاستغلال الذي يتعرض له الأفراد.
الكاتبة تنجح في إيصال هذه المشاعر من خلال:
-
الوصف الدقيق لمشاعر الشخصيات: خاصة مشاعر خالد الداخلية، صراعاته، مخاوفه، وآماله.
-
الحوارات الصادقة والمؤثرة: التي تكشف عن مكنونات النفوس.
-
بناء المواقف الدرامية: التي تضع الشخصيات (وبالتالي القارئ) في اختبارات عاطفية صعبة.
-
اللغة الشعرية أحيانًا: التي تلامس الوجدان وتعمق الإحساس بالموقف.
هذه الجوانب العاطفية والإنسانية تجعل رواية طغراء قريبة من القارئ، وتجعله يشعر بأنه جزء من عالمها، يتفاعل مع شخصياتها ويتأثر بمصائرها.
السياق التاريخي والثقافي: مصر بين الماضي والحاضر
تعكس رواية طغراء بوضوح ملامح المجتمع المصري المعاصر، خاصة في العقدين الأخيرين. نرى تأثير القنوات الفضائية، وظهور “نجوم” الدعوة الجدد، والجدل الدائر حول قضايا الهوية والتطرف والاعتدال. كما تعكس الرواية هموم الشباب المصري، وتطلعاتهم، وإحباطاتهم.
الجانب التاريخي، المتمثل في فصول “الحاكم”، يستدعي فترات مهمة من التاريخ الإسلامي في مصر، مثل عصر صلاح الدين الأيوبي والمماليك (قطز، شجر الدر، بيبرس). هذا الاستدعاء ليس مجرد خلفية تاريخية، بل هو جزء عضوي من بنية الرواية. الكاتبة تستخدم هذه الفترات كعدسة مكبرة لفهم آليات السلطة، وطبيعة الصراع على الحكم، وكيف يمكن أن يتحول “الحاكم” إلى “طاغوت”.
هذه الخلفية التاريخية والثقافية تثري الرواية، وتمنحها عمقًا إضافيًا. فهي تربط صراعات الفرد المعاصر بصراعات الإنسان عبر التاريخ، وتؤكد على أن بعض القضايا والتحديات تتكرر بأشكال مختلفة عبر العصور.
تقييم العمل الأدبي: بين الإشادة والتساؤل
رواية طغراء عمل أدبي يستحق القراءة والتأمل لعدة أسباب:
-
الجوانب الإيجابية:
-
عمق الشخصيات: خاصة شخصية خالد، التي تم بناؤها بعناية فائقة، بكل تناقضاتها وصراعاتها.
-
طرح قضايا جريئة ومهمة: تتعلق بحرية الفكر، ونقد السلطة، وأزمة الإيمان.
-
البناء الفني المتميز: التنقل بين الحاضر والماضي، واستخدام تقنيات سردية متنوعة.
-
اللغة الأدبية: التي تجمع بين الوضوح والعمق، وأحيانًا الشعرية.
-
القدرة على إثارة التفكير: الرواية لا تقدم إجابات سهلة، بل تدفع القارئ إلى التساؤل والتفكير.
-
الربط بين التاريخ والحاضر: وهو ما يمنح العمل بعدًا فلسفيًا وتاريخيًا.
-
-
الجوانب التي قد تثير تساؤلاً (ليست بالضرورة سلبية):
-
الكثافة الفكرية: قد يجد بعض القراء أن الرواية كثيفة فكريًا، وتتطلب تركيزًا عاليًا.
-
الغموض في بعض المشاهد: خاصة تلك التي تتداخل فيها الأزمنة أو تدخل في إطار الهذيان، قد تحتاج إلى قراءة متأنية لتفكيك رموزها.
-
طول الرواية: قد يمثل تحديًا لبعض القراء، لكن الأحداث المتلاحقة والتطورات تجعلها ممتعة.
-
بشكل عام، رواية طغراء عمل روائي ناضج ومهم، يضيف إلى المكتبة العربية رؤية جديدة حول قضايا الإنسان والمجتمع. تأثيرها في الأدب المعاصر يتمثل في جرأتها على تناول المسكوت عنه، وفي قدرتها على المزج بين العمق الفكري والتشويق السردي.
اقتباسات بارزة: ومضات من عمق النص
-
“اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” (سورة البقرة: 257) – هذا الاقتباس القرآني الذي يبدأ به النص ليس مجرد زخرفة، بل هو مفتاح لفهم الصراع المركزي في الرواية.
-
“أنا مكنتش يوم شيال حمول، إتجمعوا!… ورسموني في صلبكم، حتة عليها أنحني… وأقول كلام يبهرني… بيخلي جوايا ونفسي أطلعه… يا صحابي لا… ماتوسموش فيا أنا…” (كلمات لسيد حجاب في بداية الرواية) – تعبر عن الضغط الذي يشعر به الفرد عندما يُحمّل ما لا يطيق من توقعات أو أدوار.
-
“الكل مصاب أو ماجوريتش بحب هناك، ٥٠ دولار فوزا.. ولاب توب!” – لمحة ساخرة عن استغلال الدين أو القضايا الإنسانية لأغراض تجارية أو شعبوية.
-
“هي دي حياتنا… بنجري ورا وهم كبير اسمه الحقيقة… وكل واحد فينا بيشوفها بشكل مختلف… يمكن مفيش حقيقة أصلا… يمكن كلنا بنجري ورا سراب.” (قد يكون هذا الاقتباس صياغة لمعنى متكرر في حوارات خالد الداخلية أو مع ماري).
-
“السلطة المطلقة مفسدة مطلقة” (قد يتردد هذا المعنى في الفصول التاريخية).
هذه الاقتباسات (وبعضها استنباطي للمعاني المطروحة) تجسد بعض الأفكار والمشاعر الرئيسية التي تطرحها رواية طغراء.
التوسع في التفاصيل الثانوية: خيوط تعزز النسيج
إلى جانب الشخصيات الرئيسية، هناك شخصيات ثانوية تلعب أدوارًا مهمة في تعزيز الحبكة وإضاءة جوانب من القصة:
-
الأطباء والممرضون: يمثلون جانبًا من الواقع الذي يتعامل معه خالد، ويعكسون أحيانًا البيروقراطية أو الإنسانية في النظام الصحي.
-
فريق عمل برنامج الإمام أو برنامج خالد: يساهمون في كشف كواليس الإعلام، وكيف يتم “طبخ” المحتوى الذي يصل إلى الجمهور.
-
أفراد عائلة خالد أو ماري (إذا ظهروا): يمكن أن يقدموا رؤى إضافية حول خلفيات الشخصيات الرئيسية ودوافعها.
-
الشخصيات الهامشية في المشاهد التاريخية: الجنود، العامة، رجال البلاط، يساهمون في رسم صورة حية لتلك العصور.
هذه التفاصيل والمشاهد الجانبية، حتى لو بدت صغيرة، إلا أنها تضيف طبقات من الواقعية والعمق لـ رواية طغراء، وتجعل عالمها أكثر ثراءً وتنوعًا. على سبيل المثال، الحوارات الجانبية في المستشفى، أو التعليقات العابرة من فريق عمل البرامج التلفزيونية، يمكن أن تحمل دلالات مهمة حول طبيعة المجتمع أو المؤسسات.
تأثير الكتاب على الأدب والقارئ: بصمة في الوعي
“الطاغوت” ليست من رواية طغراء التي تُقرأ وتُنسى بسهولة. إنها تترك أثرًا عميقًا في نفس القارئ، وتدفعه إلى إعادة التفكير في الكثير من المسلمات.
-
على المستوى الأدبي: تساهم رواية طغراء في تعزيز تيار الأدب الذي يهتم بالقضايا الفكرية والوجودية، والذي لا يخشى الخوض في المناطق الشائكة. كما أنها تقدم نموذجًا جيدًا للرواية التي تمزج بين السرد المعاصر والاستلهام التاريخي بشكل فني متقن.
-
على مستوى القارئ والمجتمع:
-
تعزيز الوعي النقدي: تشجع القارئ على عدم التسليم بالآراء الجاهزة، وعلى تمحيص ما يُقدم له من معلومات وأفكار، خاصة عبر وسائل الإعلام أو من الشخصيات ذات السلطة.
-
التأمل في قضايا الإيمان والهوية: تفتح باب النقاش حول معنى الإيمان الحقيقي، وعلاقته بالعقل والقلب، بعيدًا عن التزمت أو الإلحاد السطحي.
-
فهم أعمق لآليات السلطة: من خلال المقارنات التاريخية، تساعد القارئ على فهم كيف تعمل آليات السلطة، وكيف يمكن أن يتجلى “الطاغوت” في أشكال مختلفة.
-
التعاطف الإنساني: معاناة خالد، وحبه لماري، وصراعات الشخصيات الأخرى، تثير التعاطف الإنساني وتذكرنا بهشاشتنا المشتركة وقوتنا الكامنة.
-
رواية طغراء بمثابة دعوة للقارئ ليصبح أكثر وعيًا بذاته وبعالمه، وألا يكون مجرد متلقٍ سلبي، بل مشارك فاعل في صنع مصيره وفهم واقعه.
نظرة شاملة: لماذا تستحق “الطاغوت” القراءة؟
في نهاية هذه الرحلة التحليلية، يتضح أن رواية طغراء لشيرين هناني هي أكثر من مجرد رواية؛ إنها تجربة فكرية وروحية عميقة. إنها عمل ينجح في الجمع بين التشويق السردي والعمق الفلسفي، بين الواقعية المؤلمة والرمزية الموحية.
رواية طغراء تستحق القراءة لأنها تتحدى القارئ، وتجبره على الخروج من منطقة الراحة الفكرية. إنها تقدم شخصيات حية، يمكن للقارئ أن يجد فيها أصداء من ذاته أو ممن حوله. كما أنها تسلط الضوء على قضايا ملحة في عالمنا المعاصر، وتدعو إلى حوار مفتوح حولها.
من خلال رحلة خالد المضطربة، ومن خلال استعراض صفحات من تاريخ مليء بالصراعات والعبر، تقدم لنا شيرين هناني عملًا أدبيًا يبقى في الذاكرة طويلاً بعد الانتهاء من قراءته. إنها رواية طغراء عن البحث الأبدي للإنسان عن النور في مواجهة كل أشكال الظلمات، وعن الشجاعة في قول “لا” لكل ما يسعى لطمس هويته وسلب حريته. لمن يبحثون عن أدب يحرك العقل والوجدان، ويترك بصمة لا تُمحى، فإن “الطاغوت” هي وجهة لا يمكن تجاهلها.

روايات بدون إنترنت
اقرأ رواياتك المفضلة في أي وقت وأي مكان
هل أعجبتك هذه الرواية؟ يمكنك الآن الاستمتاع بقراءة هذه الرواية وآلاف الروايات الأخرى بدون إنترنت من خلال تطبيقنا المجاني!