في متحف الوعي الجمعي، يقف تمثال لرجل شرقي، ليس من لحم ودم، بل من أفكار متوارثة وسلوكيات متحجرة على قاعدته، لوحة نحاسية صغيرة منقوش عليها، كتاب ذكر شرقي منقرض هذا ليس مشهدًا من رواية خيالية، بل هو الصورة البصرية العبقرية التي اختارها الطبيب النفسي المصري الدكتور محمد طه لغلاف كتابه الذي أحدث ضجة ثقافية واجتماعية هائلة. كتاب “ذكر شرقي منقرض” ليس مجرد عمل أدبي، بل هو جلسة علاج نفسي جماعية، ومشرط جراح دقيق يشق به المؤلف طبقات الصمت والإنكار التي تغلف أزمة الرجولة في مجتمعاتنا الشرقية.
مقدمة شاملة عن كتاب ذكر شرقي منقرض
من هو محمد طه وماذا يقدم؟
الدكتور محمد طه طبيب وكاتب مصري، وأستاذ مساعد في الطب النفسي، استطاع أن يبني جسرًا فريدًا بين عيادته النفسية والقارئ العربي، ويمتلك قدرة نادرة على تبسيط أعقد النظريات النفسية وتقديمها بلغة سهلة، غالبًا ما تكون عامية مصرية محببة، مما يجعل كتبه بمثابة حوار دافئ وصريح مع الذات، وصدر كتاب ذكر شرقي منقرض في سياق تشهده المجتمعات العربية من تحولات فكرية ونقاشات متزايدة حول الهوية والعلاقات والذكورة والأنوثة.
كتاب ذكر شرقي منقرض لا يُصنف كرواية بل كعمل في علم النفس الشعبي (Popular Psychology)، وهو يهدف إلى تشريح “متلازمة الذكر الشرقي”، التي لا يعتبرها المؤلف مجرد نمط شخصية، بل حالة مرضية تحتاج إلى وعي وعلاج، وأهمية الكتاب تكمن في شجاعته بطرح قضية حساسة ومؤلمة، وتقديمه لها ليس من باب الهجوم، بل من باب الفهم والشفاء، موجهًا خطابه للرجال والنساء على حد سواء.
الفكرة العامة للنص: من الذكورة إلى الرجولة
الفكرة المحورية التي يدور حولها كتاب ذكر شرقي منقرض هي التمييز الحاسم بين مفهومين: الذكورة والرجولة.
-
الذكورة (Maleness): كما يراها د. طه، هي مجموعة من الصفات البيولوجية والاجتماعية التي تُفرض على الذكر منذ ولادته هي القالب الجاهز، الذي يتسم بالصلابة والسيطرة والقوة الظاهرية وكبت المشاعر، “الذكر الشرقي” هو نتاج هذا القالب، شخصية تعاني من أمراض نفسية مركبة مثل النرجسية والسادية والاتكالية، وتتغذى على علاقات غير صحية مع أمه وزوجته وأبنائه.
-
الرجولة (Manhood): هي الحالة التي يسعى كتاب ذكر شرقي منقرض للوصول إليها هي ليست صفة فطرية، بل قرار واختيار واعي. الرجولة الحقيقية، في منظور طه، تعني النضج العاطفي، والمسؤولية، والقدرة على الحب والشراكة الحقيقية، والاعتراف بالضعف، والتعبير عن المشاعر.
الرسالة العامة واضحة كالشمس إن نموذج “الذكر الشرقي” التقليدي هو نموذج منقرض لأنه لم يعد صالحًا للحياة المعاصرة، وهو يؤذي نفسه ومن حوله. والكتاب هو دعوة صريحة للرجل للتخلي عن ذكورته المزيفة والمؤذية، ليولد من جديد في رجولة حقيقية وصحية.
سياق الكتابة وأسلوب السرد: حوار في عيادة الطبيب
أسلوب د. محمد طه هو أحد أهم أسباب نجاح كتاب ذكر شرقي منقرض الساحق، فهو يبتعد تمامًا عن اللغة الأكاديمية الجافة، ويتبنى أسلوبًا حواريًا مباشرًا، كما يستخدم العامية المصرية (ده، اللي، علشان) بشكل مكثف، مما يشعر القارئ وكأنه يجلس في جلسة حوارية مع صديق حكيم أو في عيادة المؤلف نفسه.
-
الحوار المباشر: يوجه الكاتب أسئلة مباشرة للقارئ: “فاهم قصدي؟”، “إيه رأيك؟”، مما يجعله شريكًا في عملية التحليل لا مجرد متلقٍ سلبي.
-
الأمثلة الحية: يستعين د. طه بقصص من عيادته (مع الحفاظ على سرية أصحابها)، ومشاهد من أفلام ومسلسلات مصرية شهيرة، ومواقف من الحياة اليومية. هذا الأسلوب يجسد الأفكار المجردة ويجعلها ملموسة وواقعية.
-
التشخيص الطبي: يتعامل مع الظواهر الاجتماعية بوصفها “أعراضًا” و”متلازمات”، ويقدم “تشخيصًا” و”خطة علاج”. هذا يمنح القارئ إطارًا منظمًا لفهم المشكلة والبحث عن حلول.
تأثير هذا الأسلوب عميق، فهو يكسر حاجز الخوف من علم النفس، ويشجع على التأمل الذاتي دون الشعور بالاتهام أو الخجل، بل بالرغبة في الفهم والتعافي.
الشخصيات الرئيسية: نماذج أولية من قلب الواقع
كتاب ذكر شرقي منقرض لا يحتوي على شخصيات روائية، بل يقدم تحليلاً لنماذج أو أنماط (Archetypes) من “الذكر الشرقي”. كل نمط يمثل وجهًا من وجوه الأزمة:
-
ابن أمه: هو الرجل الذي لم يفطم نفسيًا عن أمه، وتظل أمه هي المرجعية الأولى والأخيرة في حياته، وتتحكم في قراراته وعلاقاته، مما يخلق علاقة مشوهة مع زوجته التي يراها إما امتدادًا لأمه أو منافسة لها.
-
جوز أمه (زوج أمه): هذا النموذج هو الوجه الآخر لعقدة أوديب، هو الرجل الذي يعيش في علاقة تنافسية وعدائية مع “الأب” (سواء الأب الحقيقي أو أي رمز للسلطة)، بينما يسعى للارتباط بامرأة تشبه أمه في محاولة للانتصار الرمزي.
-
ابن مراته: هو الرجل الذي يتحول إلى طفل في علاقته بزوجته. يتخلى عن كل مسؤولياته، وتصبح الزوجة هي “الأم”، التي ترعاه وتدير حياته بالكامل هو رجل اتكالي يهرب من أعباء الرجولة.
-
أبو مراته: هو الرجل المتسلط الذي يعامل زوجته كأنها ابنته القاصرة، ويفرض سيطرته عليها، ويتحكم في كل تفاصيل حياتها، ويلغي شخصيتها تحت ستار “الحماية” و”الغيرة”.
-
الديناصور: هو الرجل المتجمد في الماضي، يرفض أي تغيير أو تطور. يتمسك بالعادات والتقاليد البالية حتى لو كانت مدمرة، ويعتبر أي محاولة للتجديد تهديدًا لـ”مملكته التيستوستيرونية”.
هذه النماذج ليست منفصلة، بل غالبًا ما تتداخل في شخصية الرجل الواحد، وتكشف عن الجذور النفسية العميقة لسلوكياته.
الأحداث المؤثرة والمشاهد الدرامية: متلازمات نفسية في ثوب شرقي
بدلاً من الأحداث، يقدم كتاب ذكر شرقي منقرض “مشاهد تحليلية” مؤثرة، يعيد فيها صياغة مفاهيم نفسية عالمية لتناسب السياق الشرقي:
-
مشهد “متلازمة ستوكهولم”: من أكثر الفصول تأثيرًا، حيث يطبق د. طه هذه المتلازمة، التي تصف تعاطف الرهينة مع الخاطف، على العلاقة الزوجية، ويوضح كيف أن بعض الزوجات، في ظل القهر والسيطرة والعزلة، يطورن رابطًا عاطفيًا مرضيًا مع الزوج المسيء، ويدافعن عنه، ويجدن مبررات لأفعاله، وهذا التحليل صادم لأنه يسلط الضوء على ديناميكية نفسية خفية تفسر الكثير من العلاقات المؤذية.
-
مشهد “المرأة الثانية”: لا يتناول الخيانة كفعل أخلاقي مجرد، بل يغوص في أسبابها النفسية المرتبطة بـ”الذكر الشرقي”، فالرجل الذي يعاني من فراغ عاطفي أو نقص في تقدير الذات، قد يبحث عن “امرأة ثانية” ليس حبًا فيها، بل ليملأ بها هذا الفراغ أو ليشعر بالسيطرة والقوة التي يفتقدها في جوانب أخرى من حياته.
-
مشهد “مدفع الأطفال.. اضرب”: يتناول قضية العنف ضد الأطفال، ليس فقط الجسدي، بل النفسي يحلل كيف أن الرجل الذي تربى على القسوة، أو الذي يشعر بالعجز، يفرغ إحباطاته في أطفاله، ويعيد إنتاج نفس العنف الذي تعرض له، مبررًا ذلك بـ”التربية” و”تقويم السلوك”.

الرسائل والموضوعات الأساسية: ما وراء السطور
يناقش كتاب ذكر شرقي منقرض مجموعة من القضايا الجوهرية التي تتجاوز التحليل النفسي الفردي لتلامس همومًا مجتمعية كبرى:
-
أزمة الأبوة: يركز كتاب ذكر شرقي منقرض بشدة على دور “الأب الغائب” أو “الأب المشوه” في صناعة “الذكر الشرقي”، وغياب الأب الحقيقي الحاضر عاطفيًا يترك فراغًا تملؤه الأم بشكل مفرط، أو يترك الابن دون نموذج صحي للرجولة.
-
إعادة تفسير الدين: يتناول د. طه بجرأة كيف يتم استخدام تفسيرات دينية مغلوطة أو منتقاة لتبرير السلوكيات الذكورية السامة، مثل القوامة التي تُفهم كسيطرة مطلقة، أو ضرب النساء. هو يدعو إلى فهم أعمق لجوهر الدين القائم على المودة والرحمة.
-
“الرجولة الحقيقية” كحق إنساني: من أروع رسائل الكتاب هي فكرة “حقوق الرجل المهدرة”، ولا يقصد بها الحقوق في مواجهة المرأة، بل حق الرجل في أن يكون إنسانًا كاملاً: حقه في الضعف، في البكاء، في طلب المساعدة، في التعبير عن مشاعره دون وصمه بالضعف.
الجوانب العاطفية والإنسانية: يد تربت على الكتف
ما يجعل كتاب ذكر شرقي منقرض إنسانيًا بعمق هو نبرة التعاطف التي تسود صفحاته، د. طه لا يقف في برج عاجي ليصدر الأحكام، بل ينزل إلى أرض الواقع المؤلم. هو يتعامل مع “الذكر الشرقي” كمريض يحتاج إلى الشفاء، وليس كشيطان يستحق اللعنة. يشعر القارئ أن المؤلف يتفهم ألمه، ويعرف جذوره، ويمد يده ليساعده على النهوض.
يثير النص في نفس القارئ (سواء كان رجلاً أم امرأة) مشاعر متضاربة: الغضب من الظلم، الحزن على العلاقات المحطمة، التعاطف مع ضحايا هذه المنظومة، والأهم من ذلك، الأمل. فالكتاب لا ينتهي عند التشخيص، بل يفتح بابًا واسعًا للعلاج والتعافي في جزئه الأخير.
السياق التاريخي والثقافي: مرآة المجتمع
يعكس كتاب ذكر شرقي منقرض بصدق شديد واقعًا ثقافيًا واجتماعيًا معاصرًا في مصر والعالم العربي، وهو يتعامل مع الأمثال الشعبية (“ظل راجل ولا ظل حيطة”)، والأغاني، والأفلام، باعتبارها نصوصًا ثقافية تكشف عن اللاوعي الجمعي، وهو تشريح دقيق لثقافة تكافئ الرجل على قسوته، وتلوم المرأة على قوتها، وتنظر إلى العلاقات باعتبارها ساحة صراع على السلطة لا مساحة للمشاركة.
تقييم العمل الأدبي: الشجاعة في مواجهة المسلمات
-
الجوانب الإيجابية: تكمن قوة كتاب ذكر شرقي منقرض في شجاعته في اقتحام منطقة محظورة، وفي بساطة لغته وعمق تحليله، وفي منهجيته التي تنتقل من التشخيص إلى العلاج، وهو كتاب عملي وتطبيقي، وليس مجرد تنظير فلسفي.
-
الجوانب السلبية (أو نقاط النقاش): قد يرى البعض أن تعميماته واسعة، وأن ليس كل رجل شرقي ينطبق عليه هذا النموذج بالضرورة، لكن المؤلف نفسه يؤكد أنه يتحدث عن “متلازمة” و”نموذج” قد تتواجد بعض أعراضه بدرجات متفاوتة.
اقتباسات بارزة: كلمات كالمرايا
“إلى كل ذكرٍ – بالولادة.. قرر أن يكون رجلاً – بالحياة..” (من الإهداء)
هذا الإهداء يلخص فلسفة الكتاب بأكملها: الرجولة ليست معطى، بل هي قرار وصناعة ذاتية.
“الذكورة هي النوع.. الرجولة هي الفكر. الذكورة هي الجنس.. الرجولة هي السلوك. الذكورة هي البيولوجيا.. الرجولة هي الموقف.”
هذا الاقتباس هو حجر الزاوية في التمييز بين المفهومين، ويضع المسؤولية على الفرد لتجاوز بيولوجيته نحو إنسانيته.
“الذكر الشرقي مش بس مرض.. بل هي متلازمة مرضية كاملة.”
هنا التشخيص النهائي الذي يرفع المشكلة من كونها مجرد “طبع سيء” إلى كونها “حالة مرضية” تستدعي الانتباه والعلاج.
التوسع في التفاصيل الثانوية: دور المرأة في المنظومة
لا يغفل كتاب ذكر شرقي منقرض دور المرأة في هذه المنظومة المعقدة هو لا يلومها، بل يحلل كيف أن بعض النساء، اللاتي هن أنفسهن ضحايا المجتمع، يشاركن في إعادة إنتاج نفس الأزمة دون وعي، و”الأم” التي تفرط في حماية ابنها وتجعله اتكاليًا، و”الزوجة” التي تقبل بدور الضحية، و”الأم” التي تربي ابنتها على الخضوع، كلهن أجزاء من المعادلة. هذا التحليل يضيف عمقًا وواقعية، ويؤكد أن التغيير يتطلب وعيًا وجهدًا من كلا الجنسين.
تأثير الكتاب على الأدب والقارئ: هزة في الوعي
لقد أحدث كتاب ذكر شرقي منقرض هزة حقيقية، وأصبح مصطلحًا متداولاً في النقاشات العامة، وأعطى للناس، رجالاً ونساءً، مفردات ومفاهيم لوصف تجاربهم وآلامهم التي كانوا يعجزون عن التعبير عنها بالنسبة للقارئ، يمكن أن يكون الكتاب:
-
مرآة: يرى فيها الرجل نفسه وسلوكياته، وقد تكون رؤية صادمة لكنها ضرورية للبدء في التغيير.
-
صوت: تجد فيه المرأة تفسيرًا لسلوكيات مؤذية كانت تتعرض لها، وتفهم أنها ليست مشكلة شخصية بل ظاهرة عامة.
-
خارطة طريق: يقدم الكتاب في فصله الأخير “أرجوك.. خذ مني هذا الدواء” خطوات عملية للتعافي، تبدأ بالوعي والاعتراف، وتنتهي ببناء رجولة جديدة قائمة على أسس صحية.
في النهاية، يتجاوز كتاب ذكر شرقي منقرض كونه مجرد كتاب ليصبح ظاهرة ثقافية، ومشروعًا علاجيًا مجتمعيًا، وهو دعوة جريئة ومخلصة لتفكيك أصنام الذكورة الزائفة، وبناء صرح جديد من الرجولة الحقيقية القائمة على الحب والرحمة والشراكة، كما إنه ليس كتابًا يُقرأ ثم يُوضع على الرف، بل هو رحلة تبدأ من الصفحة الأولى وتستمر في أعماق النفس والحياة، رحلة تهدف إلى أن لا يظل “الذكر الشرقي” تمثالاً منقرضًا في متحف، بل أن يخرج من خلف الزجاج، ويتحرر من قيوده، ليعيش كرجل حقيقي، حر، وسعيد.

روايات بدون إنترنت
اقرأ رواياتك المفضلة في أي وقت وأي مكان
هل أعجبتك هذه الرواية؟ يمكنك الآن الاستمتاع بقراءة هذه الرواية وآلاف الروايات الأخرى بدون إنترنت من خلال تطبيقنا المجاني!