في مشهد الأدب العربي المعاصر، تتردد أصداء بعض الأعمال بإلحاح خاص، ملتقطةً الواقع المعقد للحياة الحديثة بصدق مؤثر. رواية هنوف الجاسر، رواية ليتني امرأة عادية تمثل مساهمة بارزة في هذا الخطاب. الرواية، الصادرة عن دار كلمات والتي بلغت طبعتها الثامنة على الأقل مما يشير إلى شعبيتها، تغوص في العالم الداخلي المعقد لامرأة عربية شابة تصارع التوقعات المجتمعية، الهوية الشخصية، والوزن الخانق للمسايرة والامتثال. ا
استكشاف معمق لـ رواية ليتني امرأة عادية
من خلال عدسة حميمة لشخصيتها الرئيسية، تنسج سردًا شخصيًا للغاية وفي الوقت نفسه يعكس على نطاق واسع التحديات التي تواجه النساء في خضم التيارات المتضاربة غالبًا بين التقاليد والحداثة في العالم العربي، لا سيما ضمن السياق الخليجي الذي يلمح إليه مقر الناشر في الكويت. رواية ليتني امرأة عادية، التي تحمل عنوانًا فرعيًا هو “ثرثرة عارية”، تعلن فورًا عن نيتها: كشف الأفكار ونقاط الضعف غير المفلترة لشخصيتها المحورية، مقدمةً رحلة خام واستبطانية.
1. النبض المركزي: تفكيك الفكرة الجوهرية للرواية
في جوهرها، تستكشف رواية ليتني امرأة عادية التنافر العميق الذي تعيشه بطلتها، فريدة، وهي امرأة في أواخر العشرينات من عمرها تشعر بحدة بأنها غير متناغمة مع العالم من حولها. العنوان نفسه هو رثاء، أمنية يائسة للتخلص من تعقيدات وعيها الخاص – فضولها الفكري، ملاحظاتها النقدية، عمقها العاطفي – مقابل السهولة والقبول المتصورين اللذين تتمتع بهما النساء “العاديات”.
تدور رواية ليتني امرأة عادية حول شعور فريدة بأنها حالة شاذة في مجتمع يفرض مسارًا ضيقًا للمرأة، يتركز أساسًا حول الزواج، الشؤون المنزلية، والالتزام بقواعد اجتماعية غير معلنة. إنها تراقب الطقوس – مثل حفل الزفاف الذي تحضره على مضض في افتتاح الرواية – بعين منفصلة، تكاد تكون أنثروبولوجية، منتقدةً السطحية والضغط الهائل المفروض على النساء لأداء أدوار محددة سلفًا.
الموضوع الأساسي رواية ليتني امرأة عادية
هو هذا الصراع الداخلي: الهوة بين حياة فريدة الداخلية الغنية، المليئة بالقراءة، التفاعلات عبر الإنترنت، والتفكير النقدي، وبين الواقع الخارجي المحدود الذي يُتوقع منها أن تحتضنه. “الثرثرة العارية” هي مونولوجها الداخلي، مساحة تحلل فيها تجاربها، خيبات أملها، وشوقها المستمر لحياة تُعاش بأصالة، حتى بينما تغريها بساطة كونها “عادية” بوعدها بتقليل الاحتكاك والألم. تدور الرسالة الجوهرية حول الجهد المرهق المطلوب للحفاظ على الفردية ضد تيار الامتثال والأعباء المحددة التي يضعها هذا على النساء في سياقها الثقافي.
2. حرفة السرد: السياق، الأسلوب، وانغماس القارئ
تستخدم هنوف الجاسر منظور السرد بضمير المتكلم (الأنا)، مما يغمر القارئ مباشرة في تيار وعي فريدة. هذا الاختيار الأسلوبي حاسم لتأثير الرواية. نحن نختبر العالم بالكامل من خلال عيون فريدة، مُصفىً عبر أفكارها، عواطفها، وذكرياتها. النثر، كما يظهر في الصفحات الافتتاحية، تأملي، استبطاني، وغالبًا ما يحمل نبرة من الاستسلام اليائس ممزوجة بومضات من النقد الحاد والهشاشة.
-
الحميمية والفورية: يخلق السرد بضمير المتكلم رابطًا فوريًا بين القارئ وفريدة. قلقها، ملاحظاتها، نقاشاتها الداخلية تبدو حاضرة وملموسة. نحن لسنا مجرد مراقبين؛ بل نحن مُؤتمنون على “ثرثرتها العارية” الأكثر خصوصية.
-
عناصر تيار الوعي: غالبًا ما يتدفق السرد بسلاسة بين الأحداث الحالية (حفل الزفاف)، الذكريات الماضية (الطفولة، العلاقات السابقة، التفاعلات عبر الإنترنت)، والتأملات الداخلية (التشكيك في الأعراف الاجتماعية، التحليل الذاتي). هذا يعكس الطريقة الطبيعية، والمجزأة غالبًا، التي يعمل بها العقل البشري، مما يعزز واقعية تصوير فريدة.
-
اللغة والنبرة: تبدو اللغة هي العربية الفصحى الحديثة، سهلة المنال لكنها قادرة على نقل حالات عاطفية وفكرية معقدة. تتغير النبرة – من الملاحظة الحادة لحارسة الزفاف إلى الألم الحنيني لتذكر الروابط المفقودة (“يوسف”) أو الإحباط من القيود المجتمعية (“لماذا لا يمكنني أن أكون مجرد امرأة عادية؟”). هذا التذبذب يبقي القارئ منخرطًا ويعكس التقلب العاطفي للبطلة نفسها.
-
التأثير على تجربة القراءة: يعزز هذا الأسلوب السردي التعاطف. قد يجد القراء، خاصة النساء اللواتي ربما واجهن ضغوطًا مماثلة، تأكيدًا لمشاعرهن في تجارب فريدة. بالنسبة للآخرين، فإنه يوفر نافذة على واقع ثقافي ونفسي محدد. القيد المحتمل هو أن السرد ذاتي بطبيعته؛ فهمنا يتشكل بالكامل من خلال منظور فريدة، وهو بالضبط ما تقصده المؤلفة – تركيز هذه التجربة الأنثوية المحددة.
3. شخصيات الرواية: نسج النسيج البشري
بينما فريدة هي المركز بلا منازع، فإن الشخصيات المحيطة بها تعمل كمرايا حاسمة، ونقائض، ومحفزات لصراعاتها الداخلية والخارجية.
-
فريدة: الشخصية المحورية بـ رواية ليتني امرأة عادية في أواخر العشرينات (“امرأة الثامنة والعشرون حديثاً”)، هي متعلمة (كما يُستدل من قراءتها وكتابتها وتفكيرها النقدي) لكنها تشعر بأن إمكاناتها مكبوتة. هي استبطانية، مراقبة، وناقدة بعمق لسطحية وقيود مجتمعها. سمتها المميزة هي شعورها بالاختلاف وما ينتج عنه من عزلة. تتوق إلى الارتباط العميق (“صديقة حقيقية”، حب أصيل) لكنها حذرة وربما خائبة الأمل بسبب تجارب سابقة (الطبيعة المتطلبة للعلاقات، اختفاء “يوسف”، إشكالية “مالك”). تخوض صراعًا داخليًا، وتشعر بأنها تحتوي على جوانب متعددة، بما في ذلك “امرأة أخرى” متمردة أو ناقدة بداخلها. رغبتها في حياة “عادية” لا تنبع من نقص في العمق بل من الإرهاق من الصراع الذي تستلزمه تعقيداتها.
-
العائلة (الأم، حسناء، نورة): تجسد هذه الشخصيات التوقعات التقليدية التي تقاومها فريدة. تمثل والدتها ضغط الزواج والامتثال، غير قادرة على فهم اضطراب فريدة الداخلي بما يتجاوز اهتمامات الأنثى التقليدية. تبدو حسناء ممثلة للمسار التقوي التقليدي، مقدمة حلولاً دينية (الصلاة، القرآن) لقلق فريدة الوجودي. نورة، أختها الأخرى التي تزوجت شخصًا بالكاد تعرفه، تعمل كقصة تحذيرية محتملة أو رمز للمسار الذي تجنبته فريدة، على الرغم من أن نتيجة زواج نورة (التي وُصفت بأنها “كارثة بعد شهرين”) تعزز شكوك فريدة. إنهن يبرزن الفجوة بين الأجيال والأيديولوجيات.
-
“كارمن”: صديقة عبر الإنترنت قدمت لفريدة في البداية التقدير ومساحة للتعبير عن نفسها. تبدو كارمن مختلفة، ربما تمثل عالمًا أكثر تحررًا (استنادًا إلى وصف فريدة لصورتها – شقراء، نمش، تبدو غربية المظهر). تقرأ كتابات فريدة باهتمام وتتفاعل بعمق، ملبية حاجة للاتصال الفكري والعاطفي، وإن كان افتراضيًا. تكمن أهميتها في تمثيل نمط بديل للوجود والاتصال، خارج القيود المادية المباشرة لحياة فريدة.
-
“يوسف”: شخصية بارزة عبر الإنترنت جذبت فريدة فكريًا وعاطفيًا (“ناقداً لاذعاً وساخراً”، “الكتابة بروح الفولاذ”) لكنه اختفى فجأة. يمثل جاذبية وألم الاتصال المحتمل في العصر الرقمي، الواقع القاسي للهجران، وربما الحرية اللامبالية التي قد يمتلكها الرجال في التنقل بين العلاقات مقارنة بالتدقيق الذي تواجهه النساء. تطارد ذكراه فريدة، رمزًا لجرح وخيبة أمل كبيرين في الماضي.
-
“مالك”: قُدِّم كصديق أفلاطوني شعرت فريدة بالراحة معه، وأفضت إليه بأسرارها خلال فترة وجوده في الخارج. يكشف عودته عن جانب مظلم، حيث يشيّئ فريدة ويؤكد مخاوفها بشأن استحالة وجود صداقات حقيقية ومحترمة بين الذكور والإناث ضمن سياقها المجتمعي. يجسد خيبة الأمل وتعزيز الديناميكيات الجندرية التقليدية، والمفترسة غالبًا.
4. نقاط التحول: الأحداث الهامة والتوتر الدرامي
السرد، لا سيما في بدايته، حيث يؤسس التوتر من خلال أحداث وتأملات رئيسية في رواية ليتني امرأة عادية:
-
حفل الزفاف: هذا هو الإطار الذي يحيط بالصراع الأولي. إنه عالم مصغر للمجتمع الذي تنتقده فريدة – يركز على المظاهر، احتمالات الزواج، والأدوار الأنثوية المفروضة. مواجهتها مع الحارسة الأمنية الصارمة والحاكمة فورًا تؤسس جو التدقيق والسيطرة. قرارها الداخلي بإخفاء هاتفها يرمز لأفعالها الصغيرة من التمرد وحياتها المقسمة.
-
المونولوج الداخلي والاسترجاعات (الفلاش باك): تأمل فريدة المستمر في ماضيها – نفسها المراهقة الأكثر بساطة، علاقاتها عبر الإنترنت، طموحاتها غير المحققة (مثل دراسة تصميم الأزياء) – يخلق توترًا دراميًا من خلال مقارنة ما هو كائن بما كان يمكن أن يكون أو ما تتوق إليه.
-
اختفاء يوسف: من الواضح أن هذا الحدث الماضي يحمل وزنًا كبيرًا. الفجائية وغياب الخاتمة (“قرر أن يبتعد دون أن يترك رسالة وداعية مختصرة”) يمثلان لحظة محورية من الأذى العاطفي والخيانة، ومن المحتمل أن يكونا قد ساهما في حذرها الحالي.
-
الكشف عن حقيقة مالك: تحوله من صديق موثوق به إلى شخص يقدم تلميحات غير لائقة (“أراد أن يحوّل صندوق المحادثة إلى غرفة نوم”) هو لحظة خيبة أمل حادة، محطمةً وهم الاتصال الأفلاطوني الآمن.
-
المواجهات/التفاعلات الأسرية: اللحظات التي تواجه فيها عائلتها، لا سيما والدتها أو حسناء، خياراتها أو تحاول توجيهها نحو الامتثال (مثل حسناء التي تقدم نصائح دينية مبتذلة) تسلط الضوء على الضغوط الخارجية التي تواجهها وعدم قدرتها على جعلهم يفهمون وجهة نظرها.
هذه الأحداث، سواء كانت حاضرة أو متذكرة، تبني مجتمعة صورة عن اغتراب فريدة ومصادر شوقها لشيء مختلف، شيء “عادي” ولكنه أصيل.
5. استكشاف المعنى: الرسائل الجوهرية والخيوط الموضوعاتية
رواية ليتني امرأة عادية غنية بخيوط موضوعاتية متشابكة ذات صلة بالحياة المعاصرة، خاصة للنساء في العالم العربي:
-
عبء الهوية الأنثوية: تستكشف رواية ليتني امرأة عادية بشكل مكثف ما يعنيه أن تكوني امرأة في مجتمع ذي توقعات صارمة. تشعر فريدة بأنها مُعرَّفة ومُقيَّدة بجنسها، تُقاس باستمرار مقابل قالب لا يناسبها.
-
الضغط المجتمعي والامتثال: الضغط الهائل للزواج، أداء الأدوار المنزلية، والحفاظ على صورة عامة معينة هو موضوع مركزي. تنتقد رواية ليتني امرأة عادية سطحية هذه التوقعات وانعدام المساحة للفردية.
-
البحث عن الأصالة: صراع فريدة الجوهري هو أن تعيش بأصالة في عالم يبدو أنه يكافئ الامتثال. مساعيها الفكرية وتعبيراتها عبر الإنترنت هي طرق تحاول من خلالها نحت مساحة أصيلة، ومع ذلك، حتى هذه محفوفة بالحكم أو خيبة الأمل.
-
العزلة والوحدة: على الرغم من كونها محاطة بالعائلة والمجتمع، تعاني فريدة من عزلة فكرية وعاطفية عميقة. عدم قدرتها على إيجاد “أصدقاء حقيقيين” يفهمونها أو شريك يرى ما وراء الأدوار المجتمعية يؤكد هذه الوحدة.
-
التقليد مقابل الحداثة: تتنقل رواية ليتني امرأة عادية ضمنيًا بين التوترات بين القيم التقليدية (شرف العائلة، أدوار الجنسين المحددة، أهمية الزواج) والتأثيرات الحديثة (التعليم، الإنترنت، الطموحات الفردية). تجسد فريدة هذا التوتر.
-
الحب والعلاقات: تقدم رواية ليتني امرأة عادية رؤية معقدة وغالبًا ما تكون خائبة الأمل للحب. يُصوَّر الحب الرومانسي إما كصفقة مجتمعية (الزواج) أو كمحاولة محفوفة بالمخاطر، مؤلمة محتملة، وغالبًا ما تكون سرية (يوسف). حتى العلاقات الأفلاطونية (مالك) تثبت أنها خادعة. تتوق فريدة إلى الارتباط الحقيقي لكنها تبدو متشككة بعمق في تحقيقه.
-
دور الفضاءات الرقمية: يعمل الإنترنت كملاذ ومصدر للألم في آن واحد. يسمح لفريدة (“كارمن”، “يوسف”، كتاباتها الخاصة تحت اسم مستعار) بدرجة من الحرية والاتصال غير المتاحة خارج الإنترنت، ولكنه يجلب أيضًا الضعف والحسرة.
6. القلب الإنساني: الصدى العاطفي والتعاطف
تتفوق الجاسر في التقاط المشهد العاطفي لبطلتها. تثير رواية ليتني امرأة عادية إحساسًا قويًا بـ:
-
الشوق: توق فريدة المستمر – للفهم، للاتصال، لحياة مختلفة، لبساطة كونها “عادية” – واضح وملموس.
-
الإحباط والاستسلام: غالبًا ما تتركها تفاعلاتها مع المجتمع والعائلة محبطة، مما يؤدي إلى لحظات من الاستسلام اليائس لظروفها.
-
الهشاشة: على الرغم من عقلها النقدي، فإن فريدة هشة للغاية، لا سيما فيما يتعلق باحتياجاتها العاطفية وجروحها الماضية (هجران يوسف).
-
التحدي الصامت: استمرارها في القراءة والكتابة والتفكير النقدي، حتى فعلها الصغير المتمثل في إخفاء الهاتف، يمثل تحديًا صامتًا ولكنه مستمر ضد ضغوط الامتثال.
-
الكآبة: إحساس منتشر بالكآبة يكمن وراء السرد، نابع من عزلتها واستحالة سد الفجوة المتصورة بين ذاتها الداخلية والعالم الخارجي.
تستخدم المؤلفة حميمية السرد بضمير المتكلم لضمان ألا تكون هذه المشاعر مجرد موصوفة بل محسوسة من قبل القارئ، مما يعزز شعورًا عميقًا بالتعاطف مع محنة فريدة.
7. مرآة للمجتمع: السياق التاريخي والثقافي
رواية ليتني امرأة عادية متجذرة بقوة في سياق اجتماعي ثقافي محدد، يُرجح أنه الخليج العربي المعاصر (الكويت، نظرًا للناشر). إنها تعكس:
-
الأعراف الاجتماعية المحافظة: التركيز على الزواج كهدف حياتي أساسي للمرأة، أهمية سمعة الأسرة، القيود الخفية (وأحيانًا الصريحة) على حركة المرأة وتعبيرها.
-
الفصل بين الجنسين والتدقيق: مشهد الزفاف، الصعوبة التي تواجهها فريدة في إيجاد علاقات بين الذكور والإناث مبنية على الاحترام، والحكم الذي تتوقعه لمجرد وجودها على الإنترنت يسلط الضوء على واقع ديناميكيات النوع الاجتماعي.
-
تأثير التعليم والعولمة: تمثل فريدة جيلاً من النساء المتعلمات اللواتي قد تتعارض تطلعاتهن مع التوقعات التقليدية. يزيد دور الإنترنت من تعقيد هذا الأمر، حيث يقدم طرقًا جديدة للتعبير ولكنه يجلب أيضًا أشكالًا جديدة من الحكم المجتمعي.
-
ضغط العمر: كونها غير متزوجة في أواخر العشرينات يضع فريدة تحت تدقيق وضغط شديدين، مما يعكس تجربة شائعة في العديد من المجتمعات التقليدية.
فهم هذا السياق أمر حيوي لتقدير عمق صراعات فريدة والشجاعة الكامنة في عدم امتثالها الهادئ بشكل كامل.
8. تقييم الحرفة: نقاط القوة والضعف المحتملة
تتمتع رواية ليتني امرأة عادية بالعديد من نقاط القوة:
-
الواقعية النفسية: يبدو تصوير عالم فريدة الداخلي، رغباتها المتضاربة، وقلقها المحدد أصيلًا وذا صدى عميق.
-
التعليق الاجتماعي: تقدم الرواية تعليقًا حادًا وبصيرًا على القضايا الاجتماعية المعاصرة المتعلقة بالمرأة والزواج والتقاليد في العالم العربي دون أن تكون وعظية بشكل صريح.
-
إمكانية الارتباط: صوت فريدة وصراعاتها، رغم خصوصيتها الثقافية، تمس موضوعات عالمية للهوية والانتماء والبحث عن المعنى، مما يجعلها قابلة للارتباط بجمهور أوسع.
-
الصوت السردي الفعال: يُستخدم منظور الشخص الأول ببراعة لخلق الحميمية والعمق العاطفي.
اعتبارات محتملة (مع الأخذ في الاعتبار أن التحليل يستند إلى الصفحات الأولية):
-
الإيقاع: اعتمادًا على القوس السردي الكامل، قد يؤثر الاعتماد الكبير على المونولوج الداخلي على الإيقاع بالنسبة لبعض القراء.
-
الخاتمة/الحل: قد تقدم الرواية حلاً غامضًا أو مفتوحًا، مما يعكس الطبيعة المستمرة لصراعات فريدة، وهو ما يمكن تفسيره إما كنقطة قوة (واقعية) أو ضعف (نقص التنفيس).
بشكل عام، تكمن أهميتها في استكشافها الصادق والثابت لتجربة أنثوية معاصرة، معبرةً عن القلق والطموحات التي غالبًا ما لا يُفصح عنها للنساء اللواتي يتنقلن في مناظر اجتماعية معقدة.
9. أصداء في الكلمات: اقتباسات بارزة
تبرز عدة جمل من الصفحات الأولية في رواية ليتني امرأة عادية:
-
“ليتني امرأة عادية”: العنوان نفسه يجسد الصراع والشوق الأساسيين.
-
“أجفلني صوت الحارسة… سيّدة ضخمة تلتحف السواد ، ملامحها مكفهرة لا توحي بالفرح”: يؤسس جو الحكم والسيطرة منذ البداية.
-
“كل الذي أعرفه هو أني كبرت كثيراً ، حتى ثقلت علي”: تعبير مؤثر عن عبء وعيها وتجربتها الخاصة.
-
“امرأة فكرت كالرجال ، وتصرفت كالنساء”: (هذه فكرة محورية نوقشت، وإن لم تكن اقتباساً مباشراً من الصفحات الأولى المتوفرة، فهي تلخص فكرة رئيسية) تسلط الضوء على التناقض المتصور وصعوبة التوفيق بين الفكر والسلوك الأنثوي المفروض.
-
“لم أكن يوماً حبيبي ولم أكن حبيبته ، كنا اثنان لا تعريف لهما”: (تعكس تأمل فريدة حول علاقتها بيوسف) يعكس الغموض والافتقار النهائي للالتزام في علاقتها مع يوسف، وربما تعليق أوسع على العلاقات الحديثة.
-
“هذا الأمر لن تفهمه أمي أبداً ، فهي ترى أني مؤهلة للزواج منذ أن كنت في السابعة عشر”: يوضح بحدة الفجوة بين الأجيال ووجهات النظر المختلفة حول هدف حياة المرأة. (مستنبط من السياق العام لضغط الأم).
-
“صرتُ نسخة مكررة من «نورة» و «حسناء»”: يعبر عن خوفها من فقدان فرديتها والتحول إلى مجرد نموذج متكرر.
10. الطاقم المساند: توسيع عالم السرد
بينما تهيمن فريدة، تثري الشخصيات الثانوية والتفاصيل السرد:
-
الأخوات كنماذج متباينة: تمثل حسناء ونورة مسارات بديلة – الملتزمة التقليدية وتلك التي ربما تسرعت في زواج تقليدي فاشل. إنهن بمثابة أمثلة حية للخيارات التي تتأملها فريدة وتنتقدها.
-
العالم الرقمي: يعمل هذا تقريبًا كشخصية بحد ذاته – مساحة تقدم اتصالًا محتملًا (“كارمن”، يوسف) وتعبيرًا عن الذات (كتابة فريدة) ولكن أيضًا إخفاء الهوية، سوء التفسير، وألم الهجر الافتراضي.
-
الرمزية: تحمل الأشياء والأماكن وزنًا – قاعة الزفاف (الضغط المجتمعي)، الهاتف المخفي (التمرد/الحياة المقسمة)، الحجاب/العباءة (الهوية الثقافية/القيود)، غرفة فريدة (ملاذ)، الكتب/القراءة (هروب/حياة فكرية).
تضيف هذه العناصر طبقات إلى السرد المركزي، معززةً الموضوعات ومقدمةً صورة أكمل لعالم فريدة.
11. الصدى والتأثيرات المتتالية: التأثير على الأدب والقارئ
تساهم رواية ليتني امرأة عادية بشكل كبير في:
-
الكتابة النسائية العربية المعاصرة: تضيف صوتًا حيويًا إلى مجموعة الأدب المتنامية التي تستكشف الوعي الأنثوي، والفاعلية، والمقاومة داخل المجتمعات العربية.
-
أدب الاستبطان: يتماشى تركيزها على العالم الداخلي للبطلة مع الاتجاهات العالمية في الأدب التي تفضل العمق النفسي والتجربة الذاتية.
-
تأثير القارئ: بالنسبة للقراء ضمن سياقات ثقافية مماثلة، يمكن للرواية أن تقدم تأكيدًا واعترافًا عميقين. بالنسبة للآخرين، فإنها تعزز التعاطف وفهم التجارب المختلفة عن تجاربهم. إنها تحث على التفكير في الأعراف المجتمعية، أدوار الجنسين، والسعي العالمي للأصالة. تتحدى القراء للنظر إلى ما وراء المظاهر السطحية والنظر في الحياة الداخلية المعقدة لأولئك الذين يبدون “مختلفين”.
أفكار ختامية: صوت يستحق الاستماع
رواية ليتني امرأة عادية هي أكثر من مجرد قصة؛ إنها اعتراف حميم، نقد اجتماعي حاد، واستكشاف إنساني عميق للمساحة بين التوقع والرغبة. من خلال صوت فريدة المقنع والهش، تتنقل الرواية في التضاريس الوعرة للهوية، الانتماء، والبحث عن الذات الأصيلة في عالم يبدو غالبًا مصممًا على فرض وجود “عادي”.
كما إنه سرد مثقل بوزن الأفكار غير المعلنة والقيود المجتمعية، ولكنه مضاء بومضات التحدي والقوة الدائمة للروح البشرية للتساؤل، للتوق، وللبحث عن حقيقتها الخاصة. تمتد أهميتها إلى ما وراء محيطها الثقافي المحدد، مقدمةً تعليقًا مؤثرًا على الصراع العالمي للتوفيق بين العالم الداخلي للفرد والمتطلبات الخارجية. لصراحتها، لعمقها النفسي، ولاستكشافها الشجاع لموضوعات اجتماعية حساسة، رواية ليتني امرأة عادية هي رواية تتطلب القراءة، التأمل، والتذكر. إنها شهادة على ضرورة السرديات التي تعبر عن الواقع المعقد، والصعب غالبًا، لكونك امرأة في العالم الحديث.